الإخلاص لله في العبادات-
محمد حماد
يقول الله سبحانه وتعالى: «فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» (غافر 14)، ويقول عز وجل: «قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون» (الأعراف: 29)، وهو القائل لنبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: «قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين» (الزمر: 11).
تحقيق الإخلاص لله تعالى في كل العبادات، هو أعظم الأصول في دين الإسلام، وعمل المرء يدور على الابتعاد والحذر عن كل ما يضاد الإخلاص وينافيه، كالرياء والسمعة والعجب ونحو ذلك، حتى إن أحد العلماء قال: «وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد للتدريس في أعمال النيات ليس إلا».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ولا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون».
99 سجلاً وبطاقة
وفي الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل هذا، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها: «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» فيقول: «يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء، يقول شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام: «فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة».
لا رياء ولا شرك
مدار عمل العبد بين ثلاث: رياء أو شرك أو إخلاص، وقد قيل: ترك العمل بسبب الخلق رياء، وفعله لأجل الخلق شرك، وأن يكون عملك كله لله فذلك هو الإخلاص، فالإخلاص أن يعافيك الله من الشرك والرياء، فلا تبالي إن زاد قدرك عند الناس أو قل، لأنك أخرجت الناس من مقصود عملك وجعلته لله خالصاً، فلا تحب أن يطلع الناس على صالح أعمالك كما لا تكره أن يطلعوا على سيئها، وأن تستوي أعمالك وأفعالك في السر كما في العلن، وأن تريد بطاعتك التقرب إلى الله تعالى دون سواه، لا تنتظر حمداً من الناس أو مدحاً من أحد، لا شيء يشوب نيتك سوى التقرب إلى الله تعالى، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له، فلا هو سعى لمدح يأتيه من الناس، ولا ابتغى أن يرضي نفسه فيعجب بها.
والإخلاص من أعظم الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى، لأن العمل إذا كان بعيداً عن الناس فإن ذلك يدل على شدة محبة العبد لله تعالى، ولأن كراهية اطلاع الناس على العمل هو حال المخلصين الذين يحرصون على صفاء عظم محبة الله في قلوبهم عند ربهم، ولم يدفعهم إلى ذلك إلا عظم محبة الله في قلوبهم، فهم يريدون الزيادة منها حتى تنغمر قلوبهم في بحر الإيمان.
«طوبى للمخلصين»
وفي الصحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال حين بعث إلى اليمن: يا رسول الله أوصني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخلص دينك يكفك العمل القليل)، وروي عن ثوبان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء)، وجاء من حديث رواه أبو أمامة - رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه).
والإخلاص هو أصل العمل، وبه يقبل ويتحقق الثواب، وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن الإخلاص يأتي بالأجر، حتى إن لم يقم المخلص بالعمل، فقال: (لقد خلفتم بالمدينة رجالاً ما قطعتم وادياً، ولا سلكتم طريقاً إلا شاركوكم في الأجر، حبسهم المرض)، وعلى الجهة الأخرى تضيع أعمال عظيمة على من لم يخلصها لوجه الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد، فأتي به فعرفه (أي الله) نعمته فعرفها، قال فما فعلت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء، فقد قيل ذلك، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمته فعرفها، قال فماذا عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمته، فقال: فماذا عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه، قال: كذبت، ولكنك فعلته ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار».
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|