مجلس التعاون والأواني المستطرقة السلام عليكم اسعد الله أوقاتكم بكل خير
السرّ في بقاء مجلس التعاون الخليجي متماسكاً هو بعد نظر قادته وتغليب الحكمة ومعرفتهم أن كل خطوة يبتعدون فيها عن إحدى دوله هي فرصة لشغل الفراغ من قبل دول معادية؛ كما هو في نظرية الأواني المستطرقة..
تهب رياح شديدة وقوية من أكثر من اتجاه لاقتلاع أسس وجود مجلس التعاون الخليجي، هذا الكيان الذي صمد لأكثر من ثمان وثلاثين سنة رغم الأحداث الكثيرة التي مرت بها المنطقة، رياح تأتي من دول لا تريد الخير للعرب ولا لدول المجلس بشكل خاص، رياح تستمد قوتها من أحزاب وجماعات زرعت داخل المنطقة العربية، وهيئت لها الأموال والإعلام للتأثير على ما يجري داخل الوطن العربي لتنفيذ مخططات بعيدة المدى.
مجلس التعاون الخليجي هو النموذج الناجح والوحيد في العام العربي ككيان بني على التكامل الاقتصادي والسياسي والعسكري كما هو لدى دول أوروبا، كيان خفف الحواجز والعقبات على الحدود وأشعر كل مواطن ينتقل بين دوله وكأنه داخل بلده.
ورغم أن مجلس التعاون الخليجي تعرض للكثير من التحديات والعقبات إلا أنه بقي صامداً ومؤثراً، وقد تجلى ذلك في الجانب الاقتصادي والعسكري، وهما الأهم في هذه المنطقة المضطربة، رأينا ذلك في حرب تحرير الكويت وفي دعم البحرين ضد مؤامرة إيران، وتجلى ذلك في دعم بعض دوله اقتصادياً، وفي دعم المملكة الأردنية، وفي مشروعات التنمية في الدول العربية الأقل نمواً والمستهدفة من قبل الأعداء.
السرّ في بقاء مجلس التعاون الخليجي متماسكاً هو بعد نظر قادته وتغليب الحكمة ومعرفتهم أن كل خطوة يبتعدون فيها عن إحدى دوله هي فرصة لشغل الفراغ من قبل دول معادية، كما هو في نظرية الأواني المستطرقة، رأينا ذلك في العراق وسورية ولبنان واليمن وكل الدول العربية التي عاشت فراغاً في الداخل بسبب الحروب أو الربيع العربي.
إيران لن تتوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية وعلى الأخص دول مجلس التعاون وها هي تستخدم حكومة قطر والتنظيمات الدينية وكل ثغرة يمكن أن تلج منها للتغلغل داخل دول المجلس ومحاولة تكرار تجربتها في لبنان، حيث استخدمت كل الوسائل لتنفيذ مخططاتها ومنها التصفيات كما حصل للرئيس اللبناني رفيق الحريري الذي كاد بشخصيته القيادية وبجده وإخلاصه أن يفسد مخططاتهم، خصوصاً مشروعاته التنموية البعيدة عن الطائفية، وما قدمته المملكة للبنان في عهده من دعم اقتصادي وسياسي لضمان استقرار لبنان ومن أهمها مؤتمر الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية ورسم خارطة طريق تم إجهاضها فيما بعد.
اليوم تخطو المملكة ودولة الإمارات العربية المتحدة خطوات كبيرة نحو التكامل والتعاون على جميع المستويات، كما توجد لجان كثيرة ومبادرات للمزيد من القوة والرفاهية للشعبين ولمجلس التعاون، وكل خطوة تكاملية تثبت نجاحها بين المملكة والإمارات ستنتقل إلى كل من البحرين والكويت وعمان لتعزيز وحدة مجلس التعاون، فما ستجنيه تلك الدول من المجلس لا بد أن يفوق ما قد تجنيه من غيره على المدى القريب والبعيد.
ولن يقتصر نجاح مجلس التعاون الخليجي على دوله بل سينتقل إلى بقية الدول العربية وكما هو في نظرية الأواني المستطرقة، فلا شيء يجذب ويقنع كالتجارب الناجحة، مما سيوجد مجالاً أوسع للتعاون فيما بينها ويقفل الباب أمام التدخلات الخارجية، لكنه سيقود أيضاً إلى المزيد من محاولات تقويضه من قبل الدول الطامعة في التوسع على حساب الدول العربية، وستكثف تلك الدول جهودها وتنسى خلافاتها في سبيل إنجاح مشروعاتها وهو ما يعني أن المؤامرات ستستمر ولن تتوقف وخصوصاً ضد المملكة قائدة التغيير على مستوى الوطن العربي.
علينا أن نقرأ التاريخ جيداً ونعرف أن من أهم أسباب دخول إيران ونجاح خططها بعيدة المدى كان بسبب الخلافات العربية - العربية وغياب التنمية، ففي لبنان استطاعت إيران أن تستثمر ثغرة الطائفية في الدستور اللبناني وضعف الحكومة والحرب الأهلية، فكونت الأحزاب التابعة لها، أما في اليمن فقد نتج عن موقف الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ما أوجد فراغاً استثمرته إيران من خلال تأسيس حزب أنصار الله في صعدة على غرار حزب الله اللبناني وابتعاث آلاف الطلبة اليمنيين إلى طهران وقم كل حسب رغبته وميوله.
كل خلاف بين دول مجلس التعاون يعد ثغرة وفرصة سانحة للتدخل من قبل الدول الطامعة في خيرات المنطقة، أو التي تحلم بإحياء إمبراطورياتها السابقة، وفرصة لوقف نهضة تلوح في سماء المنطقة تقودها كل من المملكة والإمارات العربية المتحدة.