حتى تتكامل الجهود
حتى تتكامل الجهود
كنا عدداً من الزملاء في دبي، وصلى كل منا الجمعة في مسجد مختلف، وفي المساء تحدث أحدنا عن موضوع خطبة صلاة الجمعة، وكانت عن الماء وأهميته وذكره في القرآن الكريم، وأهمية الاقتصاد في استخدامه في حياتنا اليومية، وعزز الخطيب ذلك بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، كما تطرق إلى ما تبذله الحكومة في سبيل توفيره من مصادر مختلفة ومنها التحلية المكلفة، ومن ثم إيصاله إلى المواطن وبسعر يقل كثيراً عن تكلفته.
الشيء الجميل أن كل المساجد التي صلى فيها الزملاء كانت تتحدث عن الماء وهو ما يعني أن خطبة الجمعة كتبت بعناية ووزعت على مساجد الجمعة في دولة الإمارات لتعميم الفائدة واستثمار هذه الشعيرة وهذا اللقاء الأسبوعي لكل ما فيه خير الدين والدنيا ومصلحة الوطن والمواطن.
في المملكة تمتلئ المساجد يوم الجمعة بالمصلين لأداء الصلاة، مع الحرص على الحضور قبل بدء الخطبة، وكثير من المصلين يصطحب أبناءه معه، كما تنقل خطبتا الجمعة في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى ملايين المستمعين في الدول الإسلامية، وهذه ميزة كبيرة يجب أن تستثمر بعناية لتعزيز القيم والتركيز على مكارم الأخلاق والمساهمة في تنشئة جيل محب متسامح قوي في إيمانه وبدنه، وأن يركز في خطب الجمعة على دور الأسرة في حماية أبنائها وبناتها من كل ما يهدد حياتهم وصحتهم كعادة التدخين السيئة وداء السمنة الذي أصبح يهدد صحة الأكثرية، وحث الآباء على أن يكونوا قدوة لأبنائهم، إضافة إلى موضوعات كثيرة سوف تسهم في توعية المجتمع وتحفيزه على فعل الخير وكل ما يزيده قوة، ومحاربة كل ما يعج به العالم من مخاطر وسلبيات، وما تنقله مواقع التواصل من معلومات مغلوطة دينية واجتماعية وسياسية قد تضر الفرد حين يصدقها أو يحاول تطبيقها، أو تسبب البلبلة وزعزعة الأمن وتبث من مصادر خارج الوطن.
المملكة اليوم تسير حثيثاً نحو التحديث وامتلاك القوة بكل مكوناتها، وهو ما يعني تضافر جميع الجهود لتصب في نفس الاتجاه حتى تتحقق الرؤية، وعليه أرى أن من الخطوات التي تعزز ذلك ما يلي:
أولاً: العناية بموضوع الخطبة تتطلب أن يشترك في وضع خطوطها الرئيسة وموضوعها الأساس مختصون في مجال التربية والصحة والبيئة والاقتصاد إضافة إلى علماء دين على اطلاع واسع بما يعانيه المجتمع من تحديات وما يعج به من سلبيات، كل ذلك يعالج من خلال إيراد الأدلة من القرآن والسنة وتوفير البيانات والأرقام وضرب الأمثلة الواقعية المقنعة.
ثانياً: تصحيح المفاهيم من أهم ما يتطلبه المضي قدماً نحو امتلاك القوة بكل مقوماتها سواء للفرد أو الدولة، وعلى سبيل المثال نجد أن كثيراً من الناس يخلط بين التوكل والتواكل، فلا يأخذ بالأسباب سواء في مجال السلامة أو الصحة والوقاية، كما أن الكثير من الخطباء يتحدث عن الفساد لكنه لا يتطرق إلى أسوئها وأكثرها تدميراً للمجتمع والوطن وهو الفساد الإداري من تسيب وتهرب وعدم إتقان، أو الفساد المالي وما يسببه من تأخير المشروعات أو سوء تنفيذها.
ثالثاً: المواطن هو المعني بالتنمية ومن أجله وضعت الرؤية والبرامج والأهداف، وهو أهم أسباب نجاحها أو فشلها، وهنا لا بد من توعيته بأهم أسباب أمراض المجتمع التي تهدد الأمن والاستقرار ومن أخطرها الفقر والجهل والمرض وكيف يمكن للمواطن أن يسهم في حلها كالعناية بنفسه وأسرته أولاً، ثم المساهمة في معالجة أسبابها على مستوى المجتمع كمشكلة البطالة والتي من أهم أسبابها التستر الذي يشترك فيه المواطن مع الوافد، كما يجب استثمار المناسبات الدينية مثل شهر رمضان للتذكير بأهمية الصيام للصحة والتكافل والتوفير بعكس ما يحصل اليوم من تبذير وزيادة في الهدر والتأثير سلباً على الصحة.
حين يتحدث الخطيب في هذه الموضوعات فهو لا يتدخل في شؤون الآخرين وتخصصاتهم، لكنه يعالج ذلك من منظور ديني، فيكون عمله مكملاً للإعلام والوزارات المعنية، وكل ذلك يتم مع الأخذ بكل ما تتطلبه خطبة الجمعة من شروط وأحكام ودعاء.
ترك الخطبة لاجتهاد كل خطيب قد يفوت الفرصة التي أتاحها هذا الاجتماع الأسبوعي للتوعية والتربية والتذكير، والحث على بذل الجهد لتغيير السلوك نحو الأفضل وجعل الفرد المسلم منتجاً ومتصالحاً مع أهل بيته ومجتمعه وبيئته ومع العالم، وباذلاً جهده لرفعة الوطن وحفظ أمنه، وتقديم نفسه كمثال يحتذى للمسلم الحق، وهذا هو أعظم وسيلة لنشر الدين بالقدوة وليس بالوعظ فقط.
|