كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مصاحبًا لرسول الله "صلى الله عليه وسلم" قبل البَعْثة، وكان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه ما يمنعه من الكذب على الخلق، فكيف يكذب على الله؟ ولهذا بمجرد أن ذكر له أنَّ الله أرسله برسالة الإسلام، بادر إلى تصديقه ولم يتردد، فقد لقي رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقال له: أحقٌ ما تقول قريش يا محمد من تَرْكِ آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" «بلى، إنِّي رسول الله ونبيُّه، بعثني لأُبلِّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له، ولا تعبد غيره، والموالاة على طاعته، وقرأ عليه القرآن الكريم، فلم يقرَّ ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام.
وظل أبو بكر الصديق ملازمًا للرسول "صلى الله عليه وسلم" مناصرًا له ومؤازرًا، وصحبه في رحلة الهجرة الشاقة الخطيرة حتى وصلا يثرب، واستمر معينا له في حله وترحاله في اليسر والعسر في السلم والحرب، إلى أن لقي الرسول "صلى الله عليه وسلم" ربه فأخذأبو بكر الصديق البيعة بالخلافة.
إنفاذ جيش أسامة
وكان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" - كما ورد في كتاب حياة الصحابة للكندهلوي - قد فرض بَعْثاً قبل وفاته على أهل المدينة ومن حولهم، وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنه، فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فوقف أسامة بالناس، ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فاستأذنه؛ يأذن لي فليرجع الناس، فإنَّ معي وجوههم، ولا آمن على خليفة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وَثَقَل رسول الله وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون. وقالت الأنصار: فإن أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنَّا واطلب إليه أن يولِّي أمرنا رجلاً أقدم سِنّاً من أسامة. فخرج عمر بأمر أسامة، فأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة.
فقال أبوبكر: لو اختطفتني الكلاب والذئاب لم أردَّ قضاءً قضاه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: فإن الأنصار أمروني أن أبْلِغك أنهم يطلبون إليك أن تولِّي أمرهم رجلاً أقدم سنّاً من أسامة، فوثب أبوبكر - وكان جالساً ـ فأخذ بلحية عمرَ وقال: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب آستعمله رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وتأمرني أن أنزِعه؟
فخرج عمر إلى الناس؛ فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: أمضوا ثكلتكم أمهاتكم، لما لقيت بسببكم اليوم من خليفة رسول الله.
ثم خرج أبوبكر حتى أتاهم فشجعهم وشيّعهم، وهو ماش وأسامة راكب، فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، لتركبنّ أو لأنزلنّ، فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب؛ وما عليّ أن أغبِّر قدميَّ ساعة في سبيل الله، فإنَّ للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له، وسبعمائة درجة ترفع له، وتُمحى عنه سبعمائة خطيئة .
عن عائشة رضي الله عنها قالت: والله لقد نزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لقصمها.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو لولا أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - استُخلف
ما عُبِد الله ثم قال الثانية، فقد ارتدت العرب حول المدينة.
فاجتمع إليه أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقالوا: يا أبا بكر، أتوجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله غيره لو تخطفتني الكلابُ والذئاب ما ردَدْتُ جيشاً وجَّهه رسول الله، ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله.
فوجَّه أسامة، فجعل لا يمرُّ بقبيل يريدون الارتداد إِلا قالوا: لولا أنَّ لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقَوا الروم، فلقَي المسلمون الروم فهزموهم
وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا على الإِسلام.
لما قبض النبي "صلى الله عليه وسلم" تطاول المنافقون بالمدينة، وارتد العرب وارتدت العجم، ، وقالوا: لقد مات هذا الرجل الذي كانت العرب تُنصر به، فجمع أبوبكر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار وقال: إنَّ هذه العرب قد منعوا الزكاة ورجعوا عن دينهم، وإِنَّ هذه العجم قد تواعدوا الفرس ليجمعوا لقتالكم، وزعموا أنَّ هذا الرجل الذي كنتم تُنصرون به قد مات، فأشيروا عليّ فما أنا إلا رجلٌ منك، وإنِّي أثقلكم حِملاً لهذه البليّة فأَطرقوا طويلاً، ثم تكلّم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أرى أن تقبل من العرب الصلاة وتدع لهم الزكاة، وإما أن يعزّ الله الإِسلام فنقوى على قتالهم، فما لبقية المهاجرين والأنصار يَدان للعرب والعجم قاطبة، فالتفت إلى عثمان وعلي رضي الله عنهما فقالا مثل ذلك،
وتابعهم المهاجرون والأنصار.
فلما رأىأبو بكر الصديق ذلك صعد المنبر، ثم قال: أما بعد: فإنَّ الله بعث محمداً "صلى الله عليه وسلم" والحقُّ شريد، والإِسلام غريبٌ طريد، قد رَثَّ حبلُه، وقلّ أهلُه، فجمعهم الله بمحمد "صلى الله عليه وسلم" وجعلهم الأمة الباقية الوُسْطى، والله لا أبرح أقوم بأمر الله وأجاهد في سبيل الله حتى ينجز الله لنا ويفي لنا عهده، فيقتل من قُتل منَّا شهيداً في الجنة، ويبقى من بقي منا خليفة الله في أرضه، قضى الله الحقَّ؛ والله لو منعوني عِقالاً ممّا كانوا يُعطون رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ثم أقبل معهم الشجر والمَدَر والجن والإِنس، لجاهدتهم حتى تلحق روحي بالله، إنَّ الله لم يفرِّق بين الصلاة والزكاة ثم جمعهما.
فكبَّر عمر وقال: والله قد علمت
والله حين عزم الله لأبي بكر على قتالهم أنَّه الحق.
وبسبب ثباته - رضي الله عنه - على الحق ومعدنه الصلب، انتصر المسلمون على المرتدين وقضوا على الفتنة، فعادت إلى الإسلام قوته مرة أخرى، وبدأ أبو بكر الصديق يوجه الجيوش لفتح بلاد الفرس والروم فى وقت واحد، بلدا تلو الآخر لتبدأ حركة الفتوحات الإسلامية التي نشرت الإسلام قي كل ربوع الأرض.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتـور علـى