07-13-2020
|
|
|
|
تأملات في سورة الأنفال
تأملات في سورة الأنفال
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حَقَّ التقوَى، ورَاقِبُوهُ واعملُوا بطاعتِهِ واجتَنِبوا معاصِيهِ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.
عبادَ اللهِ.. نَحنُ اليَومَ مَعَ سُورةٍ جَلِيلةٍ مِن سُوَرِ القُرآنِ الكريمِ، لِنَتأَمَّلَ في آيَاتِهَا، ونَستَفِيدَ مِنْ دُروِسِهَا، سُورةٌ جَمَعتِ السِّيرةَ والمَواعِظَ، وتَكلَّمتْ عَن المؤمِنينَ وصِفاتِهِمْ، وعَنِ الغَنائِمِ وقِسمَتِهَا، وعَنِ الوَلاءِ والبَرَاءِ، فَدُونَكُمْ بَعضًا مِن هذِه الدُّروسِ ومِنْ تِلكَ الْعِبَرِ.. واللهَ نَسْأَلُ أنْ يَنْفَعَنَا بهَا وأنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ واتِّباعِ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
ابْتدَأَتِ السُّورَةُ بقولِهِ تَعَالَى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ والأنفالُ هِيَ الغَنَائِمُ التِي يَغنَمُهَا المسلِمُونَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وقدْ أشَارَ اللهُ قبلَ بَيانِ مَصَارِفِ الأَنفَالِ إِلى وُجوبِ تَقوَاهُ وإِصْلاحِ مَا بَينَ بعضِنَا الْبعضِ مَعَ طَاعَتِهِ وطاعةِ رَسولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأَنَّ هذِه هِيَ عَلامَةُ الإِيمانِ وهذِه خَيرٌ مِنَ الدُّنيَا وزِينَتِهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ اللهُ بَعضًا مِنْ صِفَاتِ المؤمِنينَ الصَّادِقِينَ؛ لِيُبَيِّنَ أنَّ جَمِيعَ هذِه الصِّفَاتِ والْحِرْصَ عَليهَا والتَّحَلِّيَ بهَا خَيرٌ مِنَ جَمْعِ الدِّرْهَمِ والدِّينَارِ، فقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، فالْمُنَافِقُونَ لَا يَدْخُلُ قُلُوبُهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَلَا يَتَوَكَّلُونَ، وَلَا يُصَلُّونَ إِذَا غَابُوا، وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ.. أمَّا المؤمِنُونَ فَهُمْ يُؤَدُّونَ فَرَائِضَهُ تَصْدِيقًا به، ولَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ، وقُلُوبُهُمْ فَزِعَةٌ خَائِفَةٌ مِنْ رَبِّهَا.
ثُمَّ زَادَ اللهُ مَزِيدًا مِنْ أَوْصَافِهِمْ، فقالَ سُبحَانَهُ: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ فهُمْ لَا يُقَصِّرونَ في صَلاةٍ، ولا يَنَامُونَ عنها، ولا يَبخَلُونَ بمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ.. هَؤلاءِ ﴿ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾.
ثُمَّ تَتَحَدَّثُ الآياتُ عَن بَعضِ مَا حَدَثَ في غَزوَةِ بَدرٍ عِندَمَا كانَ المسلِمُونَ قِلَّةً في الْعَدِدِ والْعُدَّةِ، لكِنَّهُمُ اسْتَغَاثُوا بالْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، مَالكِ السَّمَاواتِ والأَرْضِ ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ ونَزَلَتِ الْمَلائِكَةُ مُؤَيِّدَةٌ لِرسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ومُثَبِّتَةً لِعبَادِ اللهِ الْمؤمِنينَ الَّذينَ يَخُوضُونَ غِمَارَ الْحَرْبِ إِعلاءً لِكَلمَةِ اللهِ، واللهُ سُبحَانَهُ العَلِيُّ العَظِيمُ مُؤَيِّدُهُمْ ونَاصِرُهُمْ ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾، ومَا كَانَ هَذَا الْعَذَابُ على الكَافِرِينَ إلاَّ بِسبَبِ مُعَانَدَتِهِمْ للهِ ورَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ ﴾، ورَوى الإِمامُ أَحْمَدُ فِي "الزُّهْدِ" عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُصُ وَفُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا فَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ جَالِسًا وَحْدَهُ يَبْكِي فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللَّهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ؟ قَالَ: وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ مَا أَهْوَنَ الْخَلْقَ عَلَى اللَّهِ إِذَا هُمْ تَرَكُوا أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمُلْكُ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى"، وهُوَ بِذَلكَ يُحَذِّرُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّهَا سَبَبُ الْعَذَابِ والْهَلاكِ، ولا حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ باللهِ.
وفي السُّورةِ يَأمُرُ اللهُ تعَالَى بأَمْرٍ طَالَما تَكَرَّرَ كَثِيرًا في القُرآنِ، ومَا تَكْرَارُهُ إلاَّ لأَهَمِّيتِهِ وعُلُوِّ شَأْنِهِ، ومِنْ أَجْلِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ، وهَذا الأَمْرَ هُوَ طَاعَةُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وطَاعَةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ قالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ قَالَ الحَافِظُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: (يَأْمُرُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَيَزْجُرُهُمْ عَنْ مُخَالَفَتِهِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْكَافِرِينَ بِهِ الْمُعَانِدِينَ لَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ﴾ أَيْ: تَتْرُكُوا طَاعَتَهُ وَامْتِثَالَ أَوَامِرِهِ وَتَرْكَ زَوَاجِرِهِ، ﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ أَيْ: بَعْدَ مَا عَلِمْتُمْ مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ، ﴿ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾.
وهُمُ الْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُمْ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ قَدْ سَمِعُوا وَاسْتَجَابُوا، وَلَيْسُوا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ بَنِي آدَمَ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ فَقَالَ: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ ﴾ أَيْ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ ﴿ الْبُكْمُ ﴾ عَنْ فَهْمِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ فَهَؤُلَاءِ شَرُّ الْبَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ مِمَّا سِوَاهُمْ مُطِيعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا خَلَقَهَا لَهُ، وَهَؤُلَاءِ خُلِقُوا لِلْعِبَادَةِ فَكَفَرُوا؛ وَلِهَذَا شَبَّهَهُمْ بِالْأَنْعَامِ فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿ أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾) أهـ.
ولِذَا يَجِبُ عَلَينَا أَنْ نَعْلَمَ أنَّ الْحَيَاةَ إنَّمَا تَكُونُ في الاسْتِجَابَةِ للهِ ورسُولِهِ فنَحْنُ أَحْوَجُ مَا نَكُونُ إلى ذلكَ مِنْ حَاجَتِنَا إلى الطَّعَامِ والْمَاءِ؛ لا سِيَّمَا وأَنَّ القُلُوبَ بِيَدِ اللهِ تعَالى يُقَلِّبُهَا كَيفَ يَشاءُ، فهُوَ وَحْدَهُ الْقَادِرُ علَى أنْ يُقِيمَهَا أَو يُزِيغَهَا.....
قالَ جَلَّ شَأنُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولُ: "يَا مُقَلِّب الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ" رواه الترمذيُّ.
أَلا وإِنَّ في مَعصِيَةِ الْعَبدِ لِرَبِّهِ ومُخَالَفَتِهِ لأَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم خِيانَةً للهِ ولرَسُولِهِ، وخِيانَةً للأَمَانَةِ الَّتِي حَمَّلَنَا اللهُ إيَّاهَا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.
فأَينَ نَحنُ -يا عِبادَ اللهِ- مِنْ هذِهِ الأَمَانَةِ؟ أينَ الأَمَانَةُ في نُفُوسِنَا؟ أينَ الأَمَانَةُ الَّتِي تَحَمَّلْنَاهَا مَعَ أَبنَائِنَا وبَنَاتِنَا؟ أينَ الأَمَانَةُ مَعَ نِسَائِنَا؟ أينَ حِفْظُ الْعَهْدِ بَيْنَنَا وبَيْنَ اللهِ؟ أَينَ نَحنُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؟ أينَ نَحنُ مِنِ اتِّبَاعِ طَرِيقِهِ؟ أينَ الْميثَاقُ الَّذِي أُخِذَ عَلينَا؟ هَلْ نَحنُ مُوفُونَ بالْعَهْدِ والأَمَانَةِ، ألاَ يَخشَى الْبَعِيدُ أَنْ يَكونَ مِمَّنْ خَانَ اللهَ ورَسُولَهُ وخَانَ نَفسَهُ ووَلَدَهُ وبِنتَهُ وزَوْجَهُ؟! أَينَ نَحنُ مِن ذَلكَ وقَدْ بَيَّنَتِ السُّورَةُ الكريمةُ أنَّ تَقوَى اللهِ هو الدَّوَاءُ النَّاجِعُ والعِلاجُ النَّافِعُ في الدنيَا والآخِرَةِ، يَقُولُ سبحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.
أيُّها الإِخوةُ.. وتَعرِضُ السُّورَةُ جَانِبًا مِمَّا لاقَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في سَبيلِ دَعوَتِهِ ورِسَالَتِهِ وفي سَبيلِ إِيصَالِ الْحَقِّ إلينَا؛ قالَ تعَالَى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾..
وقَدْ فَعَلَ هَؤلاءِ الْكَفَرَةُ كُلَّ مَا بِوِسْعِهِمْ، وكَذلكَ يَفعلُونَ إلى اليومِ لِيَصُدُّوا عَن دِينِ اللهِ، ولَكِنْ حِكمَةُ اللهِ غَالِبَةٌ وأَمْرُهُ نَافِذٌ؛ إذْ يَقُولُ سُبحانَهُ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾.
ومَعَ كُفرِهِمْ وعِنَادِهِمْ وضَلالِهِمْ إلاَّ أنَّ رَحمَةَ اللهِ وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ، فقَدْ دَعَاهُمْ رَبُّهُمْ وخَالِقُهُمْ إلَى التَّوبَةِ والرُّجُوعِ وهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قالَ تَعَالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ ﴾.
وفِي السُّورَةِ يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى المؤمِنِينَ بأنْ يَسْتَعِدُّوا لِعَدُوِّهِمْ بكُلِّ أَنوَاعِ الوَسَائِلِ، سَواءٌ الوَسَائِلُ الفِكْرِيَّةُ والدِّينِيَّةُ والعِلْمِيَّةُ والعَسكَرِيَّةُ وبِشَتَّى الطُرُقِ؛ قَالَ سُبحانَهُ: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾.
نَسأَلُ اللهُ عزَّ وجَلَّ أنْ يُفَقِّهَنَا في كِتَابِهِ، وأنْ يَرْزُقَنَا الْعَمَلَ بهِ، فهُوَ حَسبُنَا ونِعْمَ الْوَكِيلُ.
الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ..
أَمَّا بَعْدُ:
عبادَ اللهِ.. لَقَدْ خَتَمَ رَبُّنَا سُبحَانَهُ سُورَةَ الأَنفَالِ بقَضِيَّةٍ مِن أَهَمِّ قَضَايَا العَقِيدَةِ، إنَّهَا قَضِيَّةُ الْوَلاءِ والْبَرَاءِ، قالَ تعَالَى فِي الْوَلاَءِ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ وقالَ سُبحَانَهُ في الْبَرَاءِ: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ والْوَلاءُ هُو مَحَبَّةُ اللهِ وأَولِيَائِهِ المُؤمِنِينَ، والْتِزَامُ طَرِيقَتِهِمْ، والتَّشَبُّهُ بِهِمْ، ونَصرُهُمْ والْفَرَحُ لِفَرَحِهِمْ والْحُزنُ لِحُزْنِهِمْ، وأمَّا الْبَرَاءُ فهُوَ التَّبَرُّؤ مِنَ الْكَفَرَةِ والْمُشرِكِينَ وأَهلِ الضَّلالِ، وبُغْضُهُمْ للهِ وفي اللهِ، وعَدَمُ التَّشَبُّهِ بهِمْ أو مَحَبَّةِ أَفعَالِهِمْ؛ وهذَا الأَمرُ مِنْ أَوثَقِ عُرَى الإِيمَانِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ» رواهُ الإمامُ أَحمَدُ.
أيُّها الإِخوَةُ.. هذِهِ بعضٌ مِنْ فَوائِدِ هذِه السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ، وفَوائِدُهَا أَكثَرُ مِن أَنْ تُحْصَرَ، لكِنَّ السَّيْرَ يَدُلُّ علَى الْمَسِيرِ، ولَوْ أنَّنَا عَمِلْنَا بآيَةٍ وَاحِدَةٍ مِنهَا لانْصَلَحَ حَالُنَا، فَكَيفَ لَو عَمِلْنَا بكُلِّ مَا فِيهَا، بَلْ كَيفَ لَو جَعَلْنَا القُرآنَ مَنْهَجَ حَياةٍ، ودُستُورًا نَمْشِي عَليهِ؟!
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -عبادَ اللهِ- ولْنَحْذَرْ مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ ضَلَّ وهَوَى، ولنتبع أمر الله ونتمسك بينة رسوله صلى الله عليه وسلم، نَسأَلُ اللهَ تعَالى أَنْ يُرْشِدَنَا للْحَقِّ وأنْ يُثَبِّتَنَا عَليهِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ عَزَّ مَنْ قَالَ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قلوبنا نُورًا وفي أسمَاعِنَا نُورًا وفي أبصَارِنَا نُورًا... اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، ومِن عَينٍ لا تَدْمَعُ، ومِن دُعاءٍ لا يُسْمَعُ... اللَّهُمَّ آتِ نفوسنا تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا...
اللَّهُمَّ انْصُرْ المُجَاهِدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي الحَدِّ الجّنُوبِيِّ، اللهُمَّ اشْفِ جَرْحَاهُمْ وارْحَمْ مَوْتَاهُمْ وَسَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَبَارِكْ فِي جُهُودِهِمْ...
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أمرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيتهِ لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، اللهمَّ أَصْلحْ لَهُمْ بِطَانَتَهُ يِا ذَا الجَلالِ والإِكْرامِ...
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
07-13-2020
|
#2
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
07-13-2020
|
#3
|
أَثابَك الْلَّه خَيْر الْثَّوَاب ,,
وَلَا حَرَمَك,,اجْر مَاقَدَّمَت وَاجْر مِن اسْتَفَاد مِنْهَا
دُمْت بِحِفْظ الْلَّه وَتَوْفِيْقِه,,
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
07-13-2020
|
#4
|
جزاكي الله خيراً
وجعله بموازين حسنااتكِ
لا عدمناا حضووركِ
لروحكِ احترامي وتقديري
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
07-13-2020
|
#5
|
جزاك الله خير وجعله في ميزان حسناتك
ولا حرمك الأجر يارب
وأنار الله قلبك بنورالإيمان
أحترآمي لــ/سموك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
07-13-2020
|
#6
|
جلب راقي وانتقاء مميز
بوركت جهودك المثمرة
ولا حرمنا عطائك
ودي ..
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 07:46 PM
| | | | | |