حظيت السيرة النبوية باهتمام بالغ، من حيث الجمع والتصنيف، بَيْد أن جانب التمحيص والنقد للمرويات والأخبار لم يَلْق العناية والاهتمام نفسهما، خصوصًا لدى العلماء السالفين، إلا ما كان من بعض المحدثين الحذاق النقاد، الذين لم يتوقفوا عند نقد الأسانيد، بل تجاوزوه إلى نقد المتون. ومن هؤلاء النقاد الأعلام: الإمام الذهبي (748هـ) رحمه الله، الذي قال عنه الصفدي رحمه الله: "أعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثًا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد أو طعن في رواته، وهذا لم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده" [1].
تعريف النقد الحديثي
النقد في اللغة يدل النقد في اللغة على الإبراز والإظهار، يقول ابن فارس: النون والقاف والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على إبراز شيءٍ وبُروزه (...) وتقول العرب: ما زالَ فلانٌ يَنْقُد الشَّيء، إذا لم يزَلْ ينظُر إليه"، "ويقال نقد النثر ونقد الشعر أظهر ما فيهما من عيب أو حُسن" [2].
النقد في الاصطلاح النقد الحديثي في الاصطلاح هو: "تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، والحكم على الرواة توثيقًا وتجريحًا" [3]. نماذج من النقد الداخلي (نقد المتن) للمُحَدِّثين -في نقد المتن الحديثي- ضوابط ومعايير، سطروها في كتبهم تنظيرًا، ووظفوها في نقدهم للمتن تطبيقًا [4]، لذلك، فإذا كان نقد السند متوقفًا على معرفة أحوال الرجال من حيث الجرح والتعديل.. فإن نقد المتن لا يتم بما تهواه الأنفس، أو تميل إليه العقول المجردة، بل ذلك مردُّه إلى طول مصاحبة لروايات الحديث، وتضلُّع في معرفة السنن والآثار.
ومن المعايير التي اعتمدها الإمام الذهبي في نقده للمتن ما يلي: