أسباب هلاك الأمم كما بَيَّنَتْهَا السُّنَّة النَّبَوية
أسباب هلاك الأمم كما بَيَّنَتْهَا السُّنَّة النَّبَوية (1)
المقدمة:
لهلاك الأمم أسباب كثيرة جَرت سُنَّة الله تعالى في عباده عند وجودها أن يهلكهم بسببها، وهذه الأسباب متداخلة يجمعها: الكفر بالله والصّدّ عن سبيله، الاستهزاء بالرسل وتكذيبهم، الكفر بنعم الله وعدم القيام بواجب شكرها، انتهاك حرمات الله وشيوع الفواحش، والظلم، والطغيان.
وقد أشار القران الكريم الى هذه الأسباب، كما أشارت السنة المطهرة الى طرف من هذه الأسباب، سأقف مع أهمها في السطور التالية.
وأود قبل الدخول في الموضوع الاشارة الى أمرين اثنين:
الأمر الأول:
ينبغي للعقلاء أن يعتبروا بسنة الله وأيامه في الأمم السابقة، وأن يتفكَّروا في أحوالهم، ويتَّعظوا بما حلَّ بهم من العقاب والنكال، وقد أمرنا الله عز وجل بذلك، وذكر في مواضع كثيرة من كتابه العزيز أن سنَّته في ذلك مُطردَةٌ وعادتُه مُستَمِرَّة لا تُحابِي أحدًا، وهذا هو أحد أهم الأهداف الأساسية من قصص القران. قال تعالى: ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود)، وقال جل وعلا : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ .. (111) يوسف).
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ): "وَإِنَّمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا قصَصَ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأُمَمِ لِتَكُونَ عِبْرَةً لنا. فَنُشَبِّهُ حَالَنَا بِحَالِهِمْ ونَقِيسُ أَوَاخِرَ الْأُمَمِ بِأَوَائِلِهَا. فيكون للمؤمن من المتأخرين شَبَهٌ بما كان للمؤمن من المتقدمين. ويكون للكافر والمنافق من المتأخرين شَبَهٌ بما كان للكافر والمنافق من المتقدمين(1).
ويلفت الإمام البقاعي (ت: 885هـ) نَظَرَنا إلى أن " لكل من الماضين مثل يتكرر في هذه الأمة الخاتمة... فما صَدَّ أكثرَ هذه الأمة عن فهم القرآن؛ ظنُّهم أنَّ الذي فيه مِن قَصَص الأوَّلِين وأخبار المُثَابين والمُعَاقَبين مِن أهل الأديان أجمعين؛ أنَّ ذلك إنما مقصوده الإخبار والقَصص فقط، كلا، وليس كذلك؛ إنما مقصودُهُ الاعتبار والتنبيه لمشاهدة متكررة في هذه الأمة من نظائر جميع أولئك الأعداد، وتلك الأحوال والآثار"(2).
الأمر الثاني: ابتلى الله الأمم السابقة بأصناف العذاب، وهذا العذاب على نوعين:
أولهما عذاب الاستئصال والفناء أو الإهلاك العام، فلا يبقي منهم أحد، كما حصل مع قوم نوح وعاد وثمود، وقد ذهب أهل العلم إلى أن الله عز وجل ببالغ حكمته ورحمته رفع هذا النوع من العذاب عن البشرية، وشرع للمؤمنين جهاد المكذبين المعاندين.
النوع الثاني: الهلاك الجزئي، وهذا النوع من العذاب لا يؤدي إلى فناء الأمة المعذبة برمتها. وإنما يؤدي إلى هلاك أفراد أو جماعات، وله صور منها: الكوارث الطبيعية أو الجوائح السماوية كالزلازل والبراكين والطاعون والطوفان والأعاصير والأمراض الفتاكة غيرها. ومنها: تسلط الأعداء عليهم وإذلالهم ونهب خيراتهم. ومنها: زوال الملك وانحسار السلطان. ومنها: الفساد الأخلاقي وضياع القيم وانهيار المجتمع تدريجيا مما يؤدي إلى الضعف والتفكك والاقتتال الداخلي وسفك الدماء.
|
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|