حجاب المرأة وزينتها في القرآن
المرأة في القرآن الكريم (2)
حجاب المرأة وزينتها في القرآن
لذلك كان على المؤمن واجبات تجاه الله وتجاه الناس وهي غض البصر، وحفظ الفرج وصيانة العرض والحفاظ على أموال الناس وحياتهم والالتزام بمبادئ الإسلام في هذا المضمار.
يقول الله تعالى في سورة النور[1]: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[2].
وقد أمرت الآية بضرب الخمر على الصدور وألا تبدي المرأة زينتها إلا لمحارمها كما ذكرتهم الآية. وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حينما دخلت عليه بثياب رقيقة فأعرض عنها قائلا «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه» ما يفسر لنا ما ينبغي أن ترتديه المرأة وما لا ترتديه[3].
ففرض على المرأة أن تغطي رأسها وصدرها ونحرها فلا يرى منه شيء كما تغطي سائر جسدها عدا وجهها وكفيها. وقد التزمت المرأة بهذا الأمر التزامًا شديدًا كالتزامها بأوامر الله في الصلاة، والصيام، والزكاة، وغيرها من فروض الطاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى ذكر أكثر من حديث في هذا الموقف، منها ما أخرجه البخاري عن عائشة أم المؤمنين «رضي الله عنها» أنها قالت: «يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ شققن مروطهن[4] فاختمرن بها. وروى ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت: «بينما نحن عند عائشة قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة «رضي الله عنها» إن لنساء قريش لفضلًا وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ اتقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهم امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل، فاعتجرت به تصديقًا وإيمانًا بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رءوسهن الغربان»[5].
﴿ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ﴾ ويجوز للمرأة أن تظهر على محارمها من غير تبرج. أما الزوج فتصغ له بما لا يكون بحضرة غيره[6].
وقوله تعالى ﴿ أَوْ نِسَائِهِنَّ ﴾ يقصد به النساء المسلمات فتظهر زينتها أمامهن، أما غير المسلمات فلا تظهر بزينتها أمامهن حتى لا يصفنهن لرجالهن، وذلك لالتزام المسلمة بتعاليم الإسلام والحلال والحرام[7]. أما الأمه المشركة، التابعة لسيدتها المؤمنة فلها أن تراها بزينتها، كذلك غير أولي الإربة من الرجال من التابعين لهن الذين لا رغبة لهم إلى النساء أو غير الأكفاء منهم وهم الأجراء والأتباع أو الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم بعد[8].
- كذلك نهى الله تعالى أن تضرب المرأة بأرجلها حتى لا تعلن عن نفسها يقول تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}. فقد كانت المرأة في الجاهلية تمشي في الطريق وفي رجلها خلخال. فإذا كان الخلخال صامتًا ضربت برجلها الأرض، فيسمع الرجال طنينه فنهى الله تعالى عن مثل ذلك. كما نهى عن مشي النساء وسط الطريق لما فيه من التبرج[9].
وقد ورد حديث عن ميمونة بنت سعد خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الرافلة[10] في الزينة في غير أهلها[11] كمثل الظلمة يوم القيامة، لا نور لها[12]» أي أنها تأتي يوم القيامة كأنها ظلمة، لا نور لها.
هذا وقد كان الحجاب في الإسلام تكريمًا للمرأة المسلمة وصيانة لها من كل سوء، وسترًا لها من أعين الرجال.
وللشريعة في ستر جسد المرأة هدفان:
أولهما: ستر العورة واتقاء الفتنة: حيث إن جسد المرأة كله عورة إلا الوجه والكفين، بينما عورة الرجل محدودة.
ثانيهما: هو تكريم المرأة المسلمة الحرة وتمييزها عن الأمة، وهو كما يقول الأستاذ الفاضل عبد الحليم أبو شقة[13] - تمييز صالح لأنه يقوم على الاعتزاز بالاحتشام والصيانة والعفاف، وهذا يعني الحرص على مستوى رفيع من السلوك من جانب صاحبة اللباس، كما يعني احترامًا وتقديرًا من جانب الناس.
لذلك قررت الشريعة ثلاث درجات من الستر لثلاث طوائف من المؤمنات:
الدرجة الأولى: لأمهات المؤمنين خاصة، حيث ينبغي سترهن عن نظر الرجال، وهو عن طريق حجاب يحجز بين الطرفين، ويكون هذا الستر داخل بيوتهن ويرخى ليفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء، وذلك لقوله تعالى ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن ﴾[14] وبهذا الحجاب تنعدم الرؤية تمامًا ويستر شخوصهن عن نظر الرجال، اللهم إلا عند الحاجة إلى الخروج من البيت.
الدرجة الثانية: للحرائر من نساء المؤمنين، وهؤلاء ينبغي ستر أبدانهن عدا الوجه والكفين بدليل قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾[15].
الدرجة الثالثة: الإماء المؤمنات وهؤلاء لهن: ﴿ وَعَلَيْهِنَّ ﴾[16] أحيانًا أن يكشفن رؤوسهن وبعض أطرافهن «مثل قدر من الذراع وقدر من أسفل الساق».
وقد استدل على أن لكل درجة من درجات الستر - ما تضمنه الدرجة من تكريم - مستوى خاصًا من العقوبة عند إتيان الفاحشة، فأمهات المؤمنين وهن في أعلى درجات الستر والتكريم عقوبتهن ضعف عقوبة الحرائر لقوله تعالى:
﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾[17].
أما الحرائر وهن أوسط درجات الستر والتكريم، فعقوبتهن ضعف عقوبة الإماء اللائي هن في أدنى الدرجات. قال تعالى في شأن الإماء ﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾[18] فكلما زاد التكريم زادت عقوبة المعصية، وكلما قل التكريم خفّت العقوبة والمعصية[19].
فالحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب، والأمه تبرز - أي تظهر بلا حجاب - أما إذا كانت الأمة ممن يخاف بهن الفتنة فكان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب، ووجب غض البصر عنها ومنها.
وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء، ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن، ولكن القرآن الكريم لم يأمرهن بما أمر به الحرائر، والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر، ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام، بل كانت عادة المؤمنين أن تحجب منهن الحرائر دون الإماء[20].
أما القواعد من النساء، فقد أجاز الله لهن أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة قال تعالى: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ﴾[21] أي لو ألزمن بالحجاب لكان أكرم لهن وأفضل[22].
أما عن الآية الخاصة بالنقاب بالنسبة للمرأة فقد كان الهدف منها حفظ المرأة وصيانة كرامتها من تطاول بعض الفساق على بعض المؤمنات. فقد قال تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾[23].
ويقول ابن كثير[24] في تفسيره عند هذه الآية أن الله تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر النساء المؤمنات - وخاصة أزواجه وبناته لشرفهن - أن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية، والجلباب هو الرداء فوق الخمار وهو بمنزلة الإزار اليوم، وقال الجوهري: الجلباب الملحفة[25].
وقد فسر ابن كثير هذه الآية على قول ابن عباس فقال: «أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينًا واحدة.. وقال عكرمة: تغطي ثغره نحرها بجلبابها تدنيه عليها.
كما روى عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: لما نزلت هذه الآية: ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها[26]. وسئل الزهري: هل على الوليدة خمار، متزوجة أو غير متزوجة؟ قال: عليها الخمار وإن كانت متزوجة وتنهى عن الجلباب، لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات، وقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾.
وعن سفيان الثوري .. قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر، لسن بإماء ولا عواهر، قال السدي: وكان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حتى يختلط الظلام إلى طرق المدينة فيعرضون للنساء، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطريق يقضين حاجتهن، فكان أولئك الفساق يتتبعون ذلك منهن، فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا: هذه حرة فكفوا عنها، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا: هذه أمة فوثبوا عليها.
وقوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي ما سلف منهن في الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك[27]..
وبذلك نرى أن المرأة إذا زاد احتشامها زاد الاحترام لها من المؤمن والفاسق سواء. إلا أنه من المفروض على المرأة أن ترتدي الثياب التي تغطي جميع جسدها عدا وجهها وكفيها كما أمر الله تعالى بذلك في سورة النور[28] كما ذكرنا سابقًا، أما إذا أرادت المرأة أن تزيد على ما هو المفروض عليها وتزيد من احتشامها فهي حرة في اختيار ما تريده إلا أن ذلك كان لسبب تعرضهن للمواقف السابق ذكرها وليس فرضًا على المرأة ارتداؤه في الإسلام. فقد فرض درءًا لخطر تعرضت له المؤمنات في صدر الإسلام.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|