ميراث الغفلة
لو جلس المسلم مع نفسه وقام بتأمل النعم التي يملكها وقد حرمها غيره ،
لتعجب من عظيمها ، وغفلته عنها ،
ثم استحى من ربه أن يطلب منه غيرها متذمرا من حياته وملله منها ،
ونحن نسمع من بعض أولادنا كلمة تدل على ذلك ،
عندما يتأففون من الفراغ ويقولون طفش ، خصوصا في الإجازات ،
ولو نظر المسلم إلى كثير من الخلق في شتى بقاع الأرض
وما يفتقدونه من ضروريات الحياة كالأمن والأكل والشرب والماء
لعرف عظيم نعم الله عليه ، ولما ازدرى نعمة الله عليه ،
وما أحسن اطلاع الأولاد على بعض أحوال الدول الفقيرة من حولنا ،
وهم يبحثون عن الطعام في المزابل ، والمياه الملوثة ،
وما يحيط بهم من الخوف والجوع ، ليعرفوا ما هم فيه من النعم .
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” انظروا إلى من أسفل منكم
ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله “
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فمتى نظر المسلم إلى من حوله من الضعفاء والمساكين عرف قيمة ما يملك من النعم ،
فمن يسكن في شقة صغيرة ، إذا نظر إلى من يسكن في خيمة عرف قيمة الشقة ،
ومن يسكن في بيت يملكه ، وهو قديم ،
يعرف قيمته إذا رأى من يهدد بقطع الكهرباء عنه لأنه لم يسدد الإيجار ،
ومن هو متزوج ينظر إلى الأعزب العاجز عن الزواج ،
ومن هو في عافية ينظر إلى من يرقد بالمشفى ،
ومن هو موظف ينظر إلى العاطل ، وهلم جرا
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
إن المسلم لا ينفك من نعمة ،
ولا أنسى كلمة قالها أحد الأثرياء لما أصيب بمرض السرطان ،
قال إنه مستعد أن يدفع ماله كله ويشفى من مرضه ،
فيامن عافاك ربي في بدنك ،
كم تملك من النعم التي لا تقدر بثمن .
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
عبد الله : مهما ابتليت بمصيبة في مالك ، أو بلاء في جسدك ، أو أحد أولادك ،
فلا تنظر إلى هذا البلاء ، ويكبره الشيطان في عينك ، لينسيك أجر الصبر على المصيبة ،
وليعمي عينك عن سائر النعم التي تتقلب فيها ، لما أصيب عروة بن الزبير في قدمه ،
وقطعت ، قال للهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا،
ولئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ،
فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ،
اللهم إني لم أمش بها إلى سوء قط.
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
وكان قد صحب بعضَ بنيه، ومنهم ابنه محمد الذي هو أحب أولاده إليه،
فدخل دارَ الدواب فرفسته فرسٌ فمات، فجاء المعزون إليه،
فقال: الحمد لله كانوا سبعةً فأخذتَ منهم واحدًا وأبقيتَ ستة،
فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت،
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ولما دخلوا على رجل مشلول شللا رباعيا ، وهو يحمد الله على نعمه ،
قالوا وأين نعم أنت فيها ، قال وهبني عقلا ، وغيري مجنون ، ولسانا أذكر الله به ،
وغيري أخرس .
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هكذا عرفوا نعم الله ،
فشكروا الله عليها وتنعموا بها واستخدموها في طاعة الله ،
فلنكن هكذا ولا نكن مثل الإنسان الكنود ،
الذي يعد المصائب وينسى النعم .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|