ذات يوم ألقى فضيلة الإمام العلامة شيخنا فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، رحمه الله تعالى، محاضرة فى أحد المؤتمرات، فأعجب الناس بها وبحديثه، فحملوه إلى سيارته، فخشى الإمام، على نفسه أن يدخلها خيط من خيوط الإعجاب، فأراد أن يعلم نفسه درساً، فى التواضع، فعاد إلى منزله وانتظر حتى جاء وقت الفجر وذهب لتنظيف «حمامات مسجد سيدنا الحسين»، وتصادف حضور الشيخ محمد عبدالحليم الحديدى، أحد تلاميذه للوضوء، فوجد رجلاً كبيراً من ظهره فى الحمامات ولم يعلم أنه الشيخ الشعراوى، وأثناء انشغاله بعمله، وجه المياه تجاه الشيخ الحديدى، عن دون قصد فغضب وبدأ يوجه عتابه للرجل، والذى استدار فى هدوء، ليقدم له الاعتذار وهنا كانت المفاجأة، فوجد أن من ينظف حمامات مسجد الحسين، فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، فأراد أن ينهال على يد الشيخ يقبلها تبجيلاً لشيخه وتوقيرا له وهو ما رفضه فضيلة الإمام الشعراوى رحمه الله تعالى، وليس بغريب على هذه القيمة والقامة أن نتعلم منها هذا الخلق العظيم، وهو التواضع والإنكسار. إننا فى 15 إبريل عام 1911 ميلادى، تطالعنا ذكرى مولدُ عالمٍ فذٍ مُجددٌ من مُجددىِ الأمةِ الأسلامية رجلٌ من عصر السلف استودع اللهُ فى قلبهِ خزائنَ كتابهِ الكريم فلآياتهِ فسر، ولمعانيه وضَّح، ولمستغلقه أفهم، ولإشاراتهِ شرح، فكان يأخذ بقلوب مستمعيه ويحلق بهم فى سماء القرآن الكريم كأنهم فى الجنة. إن ذكرى ميلاد الإمام محمد متولى الشعراوى لهى ميلادُ أمة بأسرها لأن المجتمع المسلم إنما يتعلم الدين بالفعل قبل القول، وهذه كانت شيمة الشيخ رحمه الله فكان مثالا للتواضع والإخبات.
إن السر فى الشيخ الشعراوى يكمن فى أنه رحمه الله تحقق بما كان يقول، وكان يتمثل أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم، فكان يخشى الله ويتقه ويراقبه فى سره وعلانيته. وكان يخشى الله فى قوله وفعله والله تعالى ما أورث علمه وأسرار كتابه إلا للعلماء فقال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ». لذلك وقف الشيخ على باب ربه يستجدى منه النوال، وعظيم الإفضال فأعطاه الله، ومن علمه غذاه، فملأ الشيخُ ربوعَ المعمورةِ بالعلم النافع وفسر كتاب الله عز وجل فقرب الناس من ربهم، ودلهم على طريق نجاتهم، وكمون السر فى ذلك التواضع أنه تواضع لربه وانكسر له أعزه الله ورفعه وعلى رؤوس الأشهاد قدمه ووضعهُ، وسمح له بأن ينهل من أسرار وأنوار كتابه الكريم فيعلم الخلق وينير العقول بكلام ربها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله». قال ابن عطاء الله السكندرى «تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه، تحقق بذُلِكَ يُمِدَّكَ بِعزَّتِهِ، تحقق بعجزكَ يُمِدَّكَ بقدرته، تحقق بضعفك يُمِدَّكَ بحوله وقوته»، أما سمعته يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ».
رحم الله إمام الدعاة العلامة المفسر فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى وأجزل له العطاء والمثوبة.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضـــان كريـــم
الدكتــور علـــى