فإنّ من أجلِّ مشاهد العبودية وأعظم منازل الإحسان أنّ يستشعرَ العبد أنّ الله هو من نجّاه من زلازل الفتن التي مرّت عليه، وأنّه سبحانه هو من أنقذه من أمواج المحن التي علَتْه!
لقد عايَن النّاس في هذه الفتنة التفريقية الغاشمة كيف زلّت أقدام رجال كانوا يُعدّون من الأخيار، وكيف ثبتت أقدام أناس كانوا في عداد العوام والجهال، ومن كلّ هذا نستخلص ونستفيد عبرة وأيّ عبرة ونحفظ درسا عظيما سيفيدنا لا محالة فيما بقي لنا من حياة في هذه الدنيا.
فاحذر يا عبد الله أن تعتقد بأنّك نجوت من شِراك هذه الفتنة بعلمك وصدقك وفهمك! فالفضل أوّلا وآخرا لربّك الرحمن الرحيم وهو القائل عزّ وجل: {ولكنّ الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان}، فربّك وخالقك هو الذي كرّه إليك تفريق السلفيّين والكذب والظلم، وهو الذي حبَّب إليك اجتماع القلوب وزيّن الصدق والعدل والانصاف في قلبك!
فاعرف قدر نفسك واعرف قدر ربّك، وإيّاك أن تتكبّر على عباد الله فتُعيّر أو تحتقر من انحرف وزاغ، فلولا فضل الله عليك لكنت معهم، فتواضع وقل ما قاله نبيّك صلى الله عليه وسلم: «والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا»، وضع نصب عينيك قول الله تعالى {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}.
فهذه العقيدة تُكسِبك تواضعا في نفسك ورحمة بالعصاة والمخالفين وتزيدك همّة وعزيمة على هدايتهم.