الفرق بين لفظ البشر والإنسان ... في القرآن الكريم
الفرق بين لفظ البشر والإنسان
... في القرآن الكريم
اذا أخذنا الآيات التي جاءت بكلمة (البشر) فإننا نجدها تصب في هذا الاتجاه مثل قوله تعالى
{فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا}
ولو جاءت هذه الآية بلفظ (انسان) لإختل المعنى لأن التمثل يقتضي هيأة وصورة محددة واللفظ الذي يتماشى مع هذه الحالة هو (البشر) وكذلك في قوله تعالى
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} فالملامسة تقتضي هيأة وصورة (جسم بشري) ونجد في هذه الآية التي شملت لفظي (البشر) و (الانسان) معا الدقة البيانية القرآنية في قوله تعالى {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} فالرؤية في الآية تقتضي هيأة وصورة وجسم بشري حقيقي وإلا فالرؤية لن تتم فكان لا بد أن يأتي لفظ (البشر) الذي يحمل معاني الهيأة والشكل و الصورة الحية أما جملة (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) إنسيا وهي (الانسان) فالكلام لا يقتضي الهيأة و الصورة الحية فقد يتم الكلام والمخاطبة من وراء حجاب بدون رؤية المخاطب فمثلا يمكن التحدث مع شخص من وراء الباب أو الهاتف ويتم التواصل بدون رؤية ففي هذه الآية جاء لفظ (الانسان) في محله لأن كما قلنا الكلام لايستدعي الرؤية والتواصل الكلامي لا يكون إلا عند الانسان الذي يتميز بالعقل ليعبرعن مافي نفسه من أشياء يدركها فكان لا بد أن يأتي لفظ (الانسان) في محله ونجد في القرآن الكريم عدة آيات تصب في هذا الاتجاه في قوله تعالى {يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر} فالقول و الكلام ينبغي أن يكون ممن يحمل صفة العقل ولا يقتضي وجود صورة وهيأة لذلك جاء لفظ (الانسان) ونجد أيضا {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً} و{ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير} و{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} و {لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } وغيرها من الآيات وكما نلاحظ هذه الصفات كلها للمخلوق العاقل وما يحمل من نفس و قوة إدراكية وبالتالي نجد الفرق الواضح بين البشر والإنسان
خلاصة القول أن (البشر) و (الانسان) كلاهما لفظين يدلان على صفات لبني آدم لأن الإسم في لغة العرب يرمز لذات الشيء ولصفته فجاء لفظ (البشر) ليدل على الهيأة الخارجية التي تميز بني آدم وهي جلد (البشرة) وهي صفة لصيقة ببني آدم ولا يمكن انتزاعها بحيث يمكن أن يفقد أحد أعضاء جسمه كالعين أو الأذن ولا يمكن أن يفقد بشرته أو تعويضها بريش أو صوف فمثلا لو لم يوجد أعمى بيننا لأصبح البصر صفة مشتركة لجميع الناس ولكن يوجد أعمى بيننا لذلك لم يكن البصر صفة مشتركة للجميع أما البشرة فهي صفة مشتركة لجميع الناس ولا يمكن انتزاعها ولذلك قيل آدم (أبو البشر) وأما لفظ (الإنسان) فهي كذلك صفة تميز بني آدم لتوفره على عقل ونفس يدرك بهما و يتفاعل بهما مع ما حوله من أشياء تحيط به فتتولد بينه وبين جنسه صلات و روابط يأنس بها وقد لا يأنس بها لهذا جاء لفظ (الانسان) ليدل على الأنس فيما بينهم و صفة الأنس هي صفة غير مشتركة لجميع الناس فقد تجد بعضهم عدو لبعض وتجد منهم من يريد السوء لغيره وبهذا لم يكن الأنس الصفة المشتركة بينهم ولذلك لا يقال لآدم (أبو الانسان) لعدم وجود هذه الصفة عند كل بني آدم فالبشر هو الوجود الفيزيولوجي المادي للإنسان ككائن حي ضمن مجموعة مخلوقات حية ولهذا عندما ندرس جسم الإنسان في الجامعة ككائن حي فقط نقول” كلية الطب البشري” ولا نقول كلية الطب الإنساني وعندما ندرس ما يتعلق بالإنسان ككائن حي عاقل له سلوك واع فإننا نقول العلوم الإنسانية و نقصد علوم اللغات وعلم النفس وغيره
والله أعلم
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتــور علـى
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|